الأربعاء، 15 يونيو 2016

من عاداتنا وتقاليدنا السودانية الرجالية ( لبس العمة والشال )

تاريخ العمامة السودانية والشال.


يذكر المؤرخون المتخصصون في تاريخ الكوشيين أن الكوشيون لبسوا تيجان ملوك وادي النيل بإعتبارهم من نفس السلالة (الحامية) القديمة التي أنشأت حضارة وادي النيل.  -   بالإضافة الي هذه التيجان القديمة المشهورة إبتدع الكوشيين أنواع أخري من تيجان الرأس خاصة بهم تكشف عن طبيعتهم المحلية وما زالت لها أثر حتي اليوم مع إستحداث زمني معروف (Update) وهو ما يعرف بـ (تاج الطاقية =Skull Cap). - الترجمة الصحيحة من جانبنا هي طاقية الرأس لأن اللفظ الإنجليزي Cap يعني الطاقية واللفظ الإنجليزي Skull يعني الجمجمة ولكن نلتزم بما ورد في المصدر. هذا التاج كان الكوشيين يلبسونه في مناسبات التتويج كما هو واضح في لوح النصر للملك (بعنخي) حيث يظهر ضمن التيجان التي يقدمها الإله (النتر) آمون ويتكون هذا التاج من جزئين:- الأول: عبارة عن طاقية تغطي الرأس بإحكام وتنزل علي الجبين ولها لسانان صغيران يلتفان من أمام الأذنين وفي بعض التماثيل يتعذر رؤيتها إلا بالتدقيق حيث تلتحم مع الرأس. - تشبه الطاقية أم قرينات التي إرتداها حكام الفونج وهذا في حد ذاته مدعاة للقول بالإستمرارية التاريخية لهذا التقليد. الثاني: عبارة عن عُصابة عريضة (منديل مستطيل) تُلبس علي الجبهة ويربط طرفاها من الخلف ومن ثم يتدليان علي الكتف. أنظر المصادر أدناهـ:- - رونوكو رشيدي المصدر المذكور في الفقرة الأولي.  - أنتا ديوب. الأصل الأفريقي للحضارة. التصاوير التي وجدت لهذه الطريقة في إرتداء هذا التاج تصاوير لعُصابات مزخرفة وأخري غير مزخرفة وفي الحالة الأولي تكون الزخرفة بصف من الأفاعي في الجزء الأمامي من العُصابة وكذلك يثبت علي مقدمة العُصابة زوج تماثيل من الأفاعي. - ما يلاحظه كاتب المنشور أن زوج الأفاعي يرمز للشارة القديمة للأفعي والحداءة اللتين تزينان التاج المزدوج منذ الأزل وتسميان السيدتين وهما أحد الألقاب الخمسة التي تلقّب بها ملوك وادي النيل (ودجت) و(نخبت) الأولي الأفعي ترمز للشمال والثانية الحداءة ترمز للجنوب فهل مخلفات الآثار طمست إحدي الرمزيتين بحيث صعب التفريق بين الأفعي والحدأة أم أن الكوشيين أصروا علي أفعتين للتأكيد علي سيادتهم علي شمال الوادي متجاهلين سيادتهم علي جنوب الوادي لأنه أصلا تحت سيادتهم لا ينازعهم فيه أحد؟!. يقول المؤرخون أن الملك (بعنخي) كان يلبس هذه التاج عندما قام بإستعادة السيطرة علي شمال الوادي من الأمراء المتمردين بقيادة (تف نخت) أمير صايص وذلك حوالي 747-716 ق.م وأن ملوك الدلتا المهزومين قد قلدوه فظهروا في تماثيل يلبسون هذا التاج السوداني وكذلك الملك كاشتا ظهر في نقش في الفنتين (أسوان) جزء من رأسه يلبس عليه تاج الطاقية هذا وكذلك ظهر الملك ترهاقا في أحد التماثيل وهو يلبس تاج الطاقية هذا ومن تحتها يظهر شعره الطبيعي وكذلك ظهر يلبسها الملك شبتاكا.   بالنظر الدقيق لهذا الوصف لهذا التاج المسمي (تاج الطاقية) نجده بكل بساطة أنه أصل الطاقية والعمامة اللتان ما زال السودانيين يلبسونهما حاليا. فحاليا يقوم الرجل السوداني بتثبيت طاقية من القماش سواء كانت مخرمة أو غير مخرمة وغالبا ما تكون بيضاء مع جواز اللون الأخضر عند الصوفية علي رأسه حتي تصل الي أطراف أذنيه ويظهر من تحتها بقية شعره... المنسدل علي فوديه ومؤخرة رأسه ثم يقوم بعد ذلك بلف شريط طويل ولا يتجاوز عرضه سبعة سنتمترات من القماش الذي غالبا ما يكون ذو لون أبيض مع جواز اللون الأخضر عند الصوفية ويلفه علي شكل أكوار رأسيه أكثر من ثلاثة مرات علي الأقل ومن الملاحظات أن كبر حجم العمامة يدل علي كبر درجة الرجل الإجتماعية. - هو مجرد زهو إشتهر به السودانيين المحبين للفخر؟!. أليس لنا أن نقول بدون الحوجة للتحلي بجسارة مفرطة في الإفتراض أن الطاقية والعمامة الحاليتين مستمدتان من تاج الطاقية المذكور بوصفه في الفقرات أعلاه فقط بإستثناء أو إستبعاد جزئية اللسانان اللذان ينزلان علي الأذنين وهذين كانا موجودين حتي أواخر دولة الفونج (الطاقية أم قرينات) وبإستثناء أو إستبعاد جزئية الزخرفة علي العُصابة وهي أصل العمامة وحتي هذه نجد حتي الآن من يزينون عمائمهم بشراشف مزخرفة ذهبية وفضية علامة علي وضعهم الإجتماعي والمادي المترف وأن التقليد تطور حتي شكله الحالي حيث غلُظت الطاقية وكبُرت العمامة؟!. بل أكثر من ذلك فإن عقدة شريط العُصابة الذي يتدلي علي الكتف هو نفسه ما نسميه الآن (عَزَبَة) وهو طرف العمامة الثاني الذي يلقي به الرجل خلف كتفيه سواء منفردا أو بكلا الطرفين ويختال مزهوا به. بل حتي أن العريس ليلة حِنّته يرتدي هذه العُصابة التي هي أصل العمامة كما أن الطفل الذكر ليلة خِتانه يرتديها والفرق فقط هو إستبدال زوج الأفاعي بالهلال الذهبي تماشيا مع الثقافة الإسلامية وحتي الهلال له حظ عظيم كرمز من رموز حضارتنا ولكن لا يتسع المجال للحديث عنه. إذن يمكن أن نقول ببساطة ورغم النصوص التراثية التي تدعي أن الطاقية والعمامة من أصل عربي وإرتكازا علي الأسبقية التاريخية التي سنذكرها أدناه أن الطاقية والعمامة هما من أصل سوداني مستمد من تاج الطاقية (Skull Cap) الذي إبتدعه الكوشيين منذ أول ملك لهم ظهر ممسكا بزمام الأمور وهو الملك كاشتا (760-747 ق.م) وذلك قبل حتي أن تستوي التسمية العرقية التي تشير الي العرب حيث أن العرب كقومية تسمّت بإسم عرب لم يكتمل وجودها وظهورها إلا قبل ظهور الإسلام (القرن 7م) بقليل وقبله كانوا قبائل متفرقة تتسمي كل قبيلة بإسم خاص بها وليس لهم جماعة قومية بينما نلاحظ أن تاج الطاقية ظهر عند أسلافنا الكوشيين في القرن الثامن قبل الميلاد أي قبل أربعة عشر قرنا من ظهور العرب كجماعة قومية لها عاداتها وتقاليدها المحكمة.

هناك تعليقان (2):

مرحبا بكم بمدونتا ونتشرف بتعليقاتكم