الأربعاء، 22 يونيو 2016

تاريخ الاكلات الشعبية السودانية

البامية
 أفادنا الدكتور عبد الله الطيب بمعلومات قيمة حول تاريخ أنواع الأكلات الشعبية في السودان. فهو يقول إن الطبيخ أي المُلاح (الإدام) الذي يصنع من الخضروات كالبطاطس والفاصوليا لم يعرف في السودان إلا في ظل الحكم التركي المصري، وكذلك العدس والفول المصري. وإن الكسرة والعصيدة هي الأكلات الشعبية التي كانت سائدة قبل ذلك في السودان الشمالي. تؤكل بمُلاح "أم شعيفة" أو "أم بُلط" و مُلاح "السخينة" وأحيانا "الشرموط" أي القديد. ومصداقا لذلك أننا لا نجد بكتاب "الطبقات" لود ضيف والذي أُلِف في عهد مملكة سنار أي إشارة إلى أي نوع من الطبيخ. هنالك فقط الكسرة والعصيدة والمديدة ومُلاح الويكة(البامية الناشفة) والخُضرة "الملوخية".
 ويضيف ان العصيدة بشكلها المعروف الآن ومُلاح "التقلية" لم تكن معروفة بمناطق حوض النيل. وهو يقصد بذلك أن عصيدة أهل بحر النيل، لينة وأقرب الى المديدة، وليست جامدة القوام مثل عصيدة أهل دارفور وكردفان. وأن أصل التقلية يرجع إلى هذه المناطق. الحقيقة أن مهارة أهل دارفور في صنع ملاح العصيدة مثل التقلية وغيرها معروفة.
ورد بلسان العرب: "المِلْح: ما يطيب به الطعام، وقد مَلَحَ القِدْرَ يَمْلِحُها ويَمْلَحُها مَلْحاً وأَملَحَها: جعل فيها مِلْحاً بقَدَرٍ. وفي الحديث: إِن الله تعالى ضرب مَطْعَم ابن آدم للدنيا مثلاً وإِن مَلَحه أَي أَلقى فيه المِلْح بقَدْر الإِصلاح.... والمُلاَّحُ، بالضم والتشديد: من نبات الحَمْضِ؛ وفي حديث ظَبْيانَ: يأْكلون مُلاَّحَها ويَرْعَوْنَ سِراحَها: والسِّراحُ: جمع سَرْح، وهو الشجرُ؛ قال أَبو حنيفة: المُلاَّحُ حَمْضَة مثل القُلاَّم فيه حمرة يؤكل مع اللبن يُتَنَقَّلُ به". – انتهي. و"يُخفق" مُلاح العصيدة بالمفراك أو المفراكة وهي عربية.
عصيدة بالتقلية
والكِسرة تُطلق أحيانا لكل من الكِسرة والعصيدة، فاذا أرادوا التمييز قالوا كسرة رهيفة أو كسرة خمير. والكسرة تُعاس بـ"القرقريبة" على صاج العواسة أو الدوكة. أما العصيدة فتُساط بالمسواط. ورد في لسان العرب: " السَّوْطُ: خَلْطُ الشيء بَعْضِه ببعض، ومنه سمي المِسْواطُ. وساطَ الشيءَ سَوْطاً وسَوَّطَه: خاضَه وخَلَطَه وأَكثَرَ ذلك. 

أما عن الكِسرة فقد جاء في اللسان: "والكِسْرَةُ القِطْعَة المَكْسورة من الشيء، والجمع كِسَرٌ مثل قِطْعَةٍ وقِطَع. والكُسارَةُ والكُسارُ: ما تَكَسَّر من الشيء. وهذا كله في المعنى العام ولكن الكِسرة بمعنى الخبز السوداني ورد في قوله في ذات المادة: ".. وفي حديث العجين: قد انْكَسَر، أَي لانَ واخْتَمر. وكل شيء فَتَر، فقد انْكسَر؛ يريد أَنه صَلَح لأَنْ يُخْبَزَ". إذن سُميت الكِسرة من انكسار العجين أو الخمير وصيرورته جاهزا لأن يٌخبز ويٌعاس. والعواسة من عاس يعوس عوسا أي يقوت ويقتات. 


ويقول عبد الله الطيب إنه قبل انتشار استعمال الطواحين الحديثة كانت هنالك "المُرْحَاكة". والمرحاكة معروفة على نطاق واسع بالسودان الشمالي وبذات الاسم وهي الرحى عند العرب. وكانت واسعة الانتشار عندنا إلى وقت قريب وكان البعض يتمسك بالمرحاكة خوفا من اختلاط غلته، بغلة الغير في الطواحين. غير أن أهل دارفور يغلب عليهم استعمال "الفُنْدُك" في طحن العيش (الذرة)، يسمون العيش المفندك "الدامرقة". ولذلك فان الفندك ليس مقصورا على أهلنا الفلاتة، كما ورد عند عبد الله الطيب. والآن يبدو ان الفندك نفسه قد اختفى كما اختفت المرحاكة قبله، وذلك بسبب انتشار "السّحانة".
وكانت الكسرة تُعاس على سطح فخاري يسمى "الدُوكَة" وذلك قبل انتشار صاج الحديد. والدوكة كما يقول عبد الله الطيب غير عربية. وتُتخذ الدوكة كذلك اسم علم مذكر. واللفة هي اللفافة الواحدة من الكسرة الرهيفة، ولكنه لم يورد الاسم الاخر لها وهو "الطَرَقة". وسُميت طرقة تشبيها لها بـ"طَرَق" أي صفق، بعض الأشجار العريض كالعُشر.

ملاح الخدرة و الكسرة

 منقول من :
قراءة في كتاب " العادات المتغيرة في السودان" وترجمته
البرفسورعبد الله الطيب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بكم بمدونتا ونتشرف بتعليقاتكم